تاريخ المغرب القديم في عهد الوندال (تاريخ شامل)

تاريخ المغرب القديم في عهد الوندال
تاريخ المغرب القديم في عهد الوندال

أحداث احتلال الوندال للمغرب عام 429 م

كما مرّ معنا في المقال السابق عندما كنّا نتحدث عن تاريخ بلاد المغرب في عهد الرومان ، فعندما طلب الكونت بونيفاس (اخر والي روماني في المغرب ) النجدة من انسابه وعائلة زوجته الوندالية التواجدين في اسبانيا (بعد انفراده بشمال المغرب واعلن استقلاله عن روما) ، لبّ نداءه الملك الوندالي جنصريق وقطع مضيق جبل طارق نحو موريطانيا الطنجية ومعه جند غفير وذلك سنة 429م ، ففعلوا في البلاد الفظائع والمجازر وتخريب للبنيان والعمران ، متسمين بالحيوانية والوحشية والهمجية بطريقة لم يسبق لسكان المغرب أن رأوا مثلها في البلاد .

فلما رأى بونيفاس وحشية هؤلاء وهمجيتهم التي لا توصف ، ندم عمّا فعل وقرر تدارك الامر فجنّد جنوده وتوجه الى الوندال المتوحشة في موريطانيا الطنجية، والتقى الفريقان وتقاتلا قتالا شرسا وانهى بهزيمة بونيفاس فنسحب من المعركة .

كانت الامبراطورية الرومانية الغربية (كانت الامبراطورية منقسمة الى قسمين : امبراطورية غربية عاصمتها روما واخرى شرقية عاصمتها القسطنطينية، وفي المقالات المقبلة سنفصل في هذا التاريخ جيدا) في تلك الفترة قد تخلّت عن خلافها مع بونيفاس وسامحته عن فعلت لكن لم ترسل له أي امدادات تذكر، بينما الشرقية (في عهد الامبراطور تيودوس الثاني) أرسلت له بعضا من الجد لاستئناف الحرب مع الوندال ، ومع ذلك دارت الدائرة على بونيفاس مرة أخرى مما جعله يقرر تلك البلاد للونداليين والفرار الى روما .

كانت الامبراطورية الشرقية في هذه الفترة قوية وقادرة على محاربة الوندال إن أرادت ذلك ، وكان جنصريق ملك الوندال على علم بذلك ، لذا رأى أن افضل وسيلة لتجنب المواجهة مع الامبراطورية الشرقية هو عقد الصلح معها عام 435م على أساس أن يبقى أرض قرطاجة تحت تصرف الإمبراطورية وأن لا يحاربها مهما كان السبب ، وأن يحكم هو باقي بلاد المغرب مع اعطائها جزية سنوية، ولكي تضمن الامبراطورية ذلك أخذت ابنه هنريق رهينا عندها .

التزم جنصريق بكل بنود المعاهدة ، فرأت فيه الامبراطورية الصديق والإخلاص، وقررت طلاق صراح ابنه عام 439م ، لكن جنصريق بعد عودة ابنه وفي نفس السنة نقض عهده وهاجم قرطاج ، فلم تنجوا هي أيضا من همجية وتخريب ووحشية الونداليين ، وبذلك أصبحت بلاد المغرب تحت حكم وندالي مطلق .

نهب ثروات روما عام 455م

كانت روما الغربية تعيش الشيخوخة وتحتضر ، وكان عرشها يجلس عليه كلّ من هبّ ودبّ ، فحدث صراع بين الامبراطور فالنسيان الثالث وأحد أعضاء المجلس الروماني واسمه بترونيوس ، فقام الأخير بقتل الإمبراطور ولم يكفيه ذلك فأجبر زوجة الإمبراطور (يودوكسيا) الزواج به ، فشعرت الإمبراطورة بإهانة شديدة جعلتها تستدع جنصريق لنهب روما وانقدها من ذلها الذي أصبح واقعا مفروضا .

استجاب جنصريق لنداء الإمبراطورة وجيش جيشه إلى روما واكتسحها دون أي مقاومة تدكر ، واستباح كل ما بها لجنوده ، فجمع كل مالها وذهبها ونفائسها وعاد راجعا الى افريقيا ومعه الإمبراطورة وابنتيها ، وفي طريقه نهب كل وجده أمامه .

وبعدما أصبح جنصريق مالكا لكل الجزء الغربي من حوض البحر الأبيض المتوسط ، اضطرت الإمبراطورية الشرقية ( في عهد الإمبراطور زينون (425م – 491م) ) عقد معاهدة مع جنصريق التي من خلالها اعترافت بالوجود الوندالي في افريقيا ,

أوضاع البربر في ظل الوجود الوندالي

لم يكن البربر في بداية الوجود الوندالي على أرضهم كارهين لهم ، بل وجدوا فيهم من يطفئ غليلهم نوعا ما وذلك لعدة أسباب :
1- التوافق المذهبي : كان الوندال من أتباع المذهب المسيحي الآري الموحد لله ، وكما نعلم أن أغلب البربر كانوا مسيحيين دوناتيين موحدين للخالق ، وهذا التوافق المذهب جعل الفريقين يتفقون في الرأي وخاصة في مسألة حرب أعدائهم الكاثوليك المتواجدين في افريقيا والتنكيل بهم .
2- الانتقام من روما : كان البربر (كما سبق ذكره في المقال السابق) أشد لهفة للانتقام من روما التي استعمرت وطنهم ، فوجدوا في الوندال مبتغاهم ، ولما استتب الأمر للوندال في البلاد أيّد البربر كل قراراتهم الرامية لتحطيم بقايا أثار السلطان الروماني في افريقيا ونهب روما كما تقدم .

ملوك الوندال في شمال افريقيا : من العظمة الى الزوال

تتمة لما سبق سرده ، فإن جنصريق كان قد أسس في المغرب نظاما ملكيا وراثيا ، وبعد وفاته عام 477م خلفه ملوك لم يكونوا مثل أولهم بشيء وإنما التفوا الى اللهو والملذات غير مكترثين لأمور المملكة ، فأصبحت سلطتهم على المغرب صورية ومركزة فقط على مدينة قرطاجة ، فوجد البربر في ذلك فرصا كثيرا للاستقلال شيئا فشيئا عن الوندال والتحكم في أمروهم العامة بأنفسهم بعد ثوراتهم على الوندال الذين لم يبقى لهم في المغرب سوى قرطاجنة وخاصة بعد سنة 497م .

توالي ملوك الوندال

  • هونريق ، حكم من وفاة والده سنة 477م الى حدود 484م
  • غوتاموند ، حكم الى سنة 497م
  • تراساموند ، حكم الى سنة 523م ، وفي فترة حكمه ثار “غباون” البربري على الوندال وانتصر عليهم ، وبعده ثار بربري أخر اسمه “انطلاص” الذي استقل بالمغرب الأدنى ، ثم بعده ثوار أخرين استقلوا بأراضيهم فلم يبقى للوندال سلطان يذكر في المغرب القديم سوى سلطانهم في قرطاجة .
  • هلدريق ، كانت له علاقة صداقة مع امبراطور بيزنطة (الامبراطرية  الرومانية الشرقية) جوستينيان ، إلى درجة أن بعض المؤرخين رأوا في تلك العلاقة شبه التبعية لبيزنطة ، وفي فترة حكم هلدريق ثار البربر على الوندال في قرطاج ، فأرسل لهم هلدريق جندا بقيادة “جاليمار” ، فانقض عليهم الأخير وفرق جمعهم ، ولما عاد منتصرا الى قرطاج انقلب على هلدريق وجلس مكانه على عرشه .

نهاية الحكم الوندالي في المغرب القديم

وجد الامبراطور جوستينيان في فعلة جاليمار سببا مقنعا لتنفيذ طموحه الرامية الى السيطرة على بلاد المغرب واحياء امجاد اجداده في حكم شمال المغرب ، فجيش جيشه وتوجه الى افريقيا ، ودارت بين الفريقين حربا دامية انتهت باستسلام جاليمار عام 534م ، ودخول المغرب القديم في عهد جديد تمثل في الحكم البيزنطي له .

مقالات ذات صلة :
– تاريخ المغرب القديم : الفينيقيين والقرطاجيين
– تاريخ المغرب القديم في عهد الرومان (تايخ شامل)