النظرية السلوكية روادها ومبادئها

النظرية السلوكية روادها ومبادئها
النظرية السلوكية روادها ومبادئها

مراحل تطور نظرية التعلم

حسب ” هورتن وتيرنغ ” ( كما جاء في كتاب : نظريات التعلم ، عالم المعرفة ) ، أن نظرية التعلم مرت عبر ثلاث مراحل اساسية:

1- مرحلة ما قبل السلوكية: وهي المرحلة التي غلبت عليها نظرية ” جون لوك ” المعروفة باسم ” نظرية تداعي الافكار ” ، وملخص هذه النظرية : أن العقل البشري يولد صفحة بيضاء لا علم له ولا معرفة له ، و انما المعرفة تكتسب و لا يوجد شيء اسمه تعلم فطري .
وفي الوقت نفسه كان ” ايمانويل كانط ” يرد على جون لوك بالقول : حتى لو كانت المعرفة تكتسب فالعقل البشري لديه عملياته الفطرية في التعلم، كترتيب المعرفة التي يتلقاها وتنظيمها وفق ادراكه وفهمه لها.

2- المرحلة السلوكية: في هذه المرحلة ( وتحديدا مع بداية سنة 1912 ) ، ستظهر الى الوجود نظرية جديدة التي عرفت بالنظرية السلوكية ، وبموجبها ستعرف نظرية التعلم تطور مهم على يد كبار فلاسفة القرن 20 ، كأمثال : جون واطسون – بافلوف – باروس إف سكينر – ثورندايك.
أما افكار ومبادئ هذه النظرية ( أي النظرية السلوكية ) سنتعرف عليها بالتفصيل في هذا المقال .

3- المرحلة ما بعد السلوكية: وهي المرحلة التي اجتهد فيها الكثير من فلاسفة التعلم ، وبفضلهم ظهرت العديد من النظريات الجديدة التي اطلق عليها بعض الدارسين اسم ” النظريات الحديثة ” مثل :
– النظرية الجشطالتية.
– النظرية المعرفية.
– النظرية البنائية.
– النظرية السوسيو بنائية.
والتي سنتطرق لها بالتفصيل الممل في المقالات القادمة.

تعريف النظرية السلوكية 

يمكن تعريف النظرية السلوكية ( أو حسب تسميت البعض لها ب : المدرسة السلوكية ) ، هي مجموعة من النظريات بدأت في الظهور منذ سنة 1912 في الولايات المتحدة الامريكية على يد أبرز روادها : جون واطسون – بافلوف – سكينر – ثورندايك ، وملخص ما جاءت به هذه النظرية هو ان المعرفة الحقيقية تكتسب عن طريق التجربة والتطبيق وفق ثنائية مثير/استجابة ، بمعنى أن التعلم عند السلوكيين هو بمثابة تغير في السلوك الخارجي للفرد عند طريق الاستجابة لمثيرات خارجية .

وقد ورد في التعريف ان النظرية السلوكية هي مجموعة من النظريات لان النظرية السلوكية في الحقيقة تأسست على مجموعة من النظريات التي يمكن تسميتها بالنظريات الجزئية للنظرية السلوكية مثل :
– نظرية الاشراط الكلاسيكي مع بافلوف .
– نظرية الاشراط الاجرائي مع سكينر .
– نظرية المحاولة و الخطأ مع ثورندايك .
وسنتحدث عن مضمون هذه النظريات الجزئية عند الحديث عن تجارب رواد النظرية السلوكية .

سلبيات النظرية السلوكية 

كما سبق الذكر فالنظرية السلوكية تركز اساسا على ماهو تجريبي وتطبيقي وفق ثنائية مثير/استجابة من اجل تلقين المعرفة ، وتقييم المعرفة عن طريق الملاحظة والقياس ، وأن المؤثرات الخارجية هي وحدها القادرة على ايصال المعرفة وترسيخها في ذاكرة الفرد لتنعكس على سلوكه الظاهر ، لكن في المقابل اهملت كل ما له علاقة بالإرادة الذاتية للمتعلم ورغبته في التعلم  و كذا قدرات الفرد الابداعية والمهاراتية وميولاته الشخصية كأن المتعلم مجرد ألة يتم توجيهه من قبل المعلم كيف ما شاء ، لدرجة  أن جون واطسون أكد مرارا وتكرارا على قدرته في تعليم الطفل منذ الرضاعة ليصبح مختصا في المجال الذي اختاره له بغض النظر عن مواهب الطفل او ميوله او قدراته او الجنس الذي ينتمي اليها.

من سلبيات هذه النظرية كذلك ، ان أصحابها قاموا بتجارب على الحيوان والانسان كما لو أن الحيوان له نفس ادراك الانسان في طفولته، وهذا بطبيعة الحال غير صحيح ، مما جعل الكثير من الدارسين يوجهون الكثير من الانتقادات للمدرسة السلوكية ، لان من المفروض أن يقوموا بتجاربهم فقط على الاطفال مادام المقصود من التجربة استخلاص قواعد علمية من اجل السير عليها لتحصيل تعليم ذو مستوى جيد.

تجارب رواد النظرية السلوكية 

أ- تجربة جون واطسون 

كان جون واطسون مهتم كثيرا بدراسة انجع طريقة لتعليم الأطفال ، وفي هذا الصدد يقول جون واطسون : ” لو وضع تحت تصرفي إثنا عشر طفلا رضيعا يتمتعون بصحة جيدة وبنية سليمة ، وطلب مني أن اعلمهم بالطريقة التي اعتقد انها المثلى للتعلم ، فإنني قادر على تعليم أي من هؤلاء الأطفال بطريقتي هذه ، بحيث يصبح مختصا في المجال الذي اختاره له ، كأن يكون طبيبا أو محاميا أو فنانا أو رجل أعمال ، بغض النظر عن مواهبه أو اهتماماته أو ميوله أو قدرته أو مهنة آبائه وأجداده ، أو الجنس الذي ينتمي اليه ”.

وفي هذا السياق قام جون واطسون بتجربة اشتهر بها حيث أخد طفل عمره لا يتجاوز العشرة أشهر ووضع معه فأرا أبيض ، فبدأ الطفل يلعب مع الفأر حتى ألفه ، وفي المرحلة الثانية بدأ جون واطسون يصدر صوتا يخيف الطفل كلما حاول التقرب من الفأر ، ومع تكرار نفس الفعل بدأ الطفل يخاف من الفأر الأبيض وكلما رآه يبدأ بالصراخ معتقدا أن ذاك الفأر هو من يصدر ذاك الصوت المفزع.

ومن خلال هذه التجربة كان جون واطسون يحاول التأكيد على فعالية طريقته في التربية والتعليم وتوجيه الطفل وفق ما يراه هو صائبا.

ب- تجربة بافلوف ( صاحب نظرية الاشراط الكلاسيكي ) 

من أجل ان يؤكد بافلوف نظريته قام بتجربة على الكلب  ، والتي مرت على أربع مراحل :
– في البداية قام بافلوف بوضع الطعام امام الكلب فسال لعاب الكلب من اجل الاكل ، و بالتالي الطعام هو مثير طبيعي بالنسبة للكلب فاستجاب له.
– لكن في المرة الثانية قام بافلوف بازالة الطعام من أمام الكلب وأتى بجرس وبدأ يدقه في مسامع الكلب ، فلم تصدر من الكلب أي استجابة ، فكان الجرس في هذه الحالة غير مثير.
– أما في المرة الثالثة صاحب اعطاء الطعام للكلب دق الجرس ، وكرر بافلوف هذه العملية عدة مرات ، لكي يربط الكلب في وعيه الباطني دق الجرس بالأكل .
– في المرة الرابعة بدأ بافلوف بدق الجرس في مسامع الكلب ، فقام الكلب من مكانه وبدأ لعابه في السيلان منتظرا تقديم الطعام له، فاصبح الجرس في هذه الحالة مثير لأنه تسبب في استجابة الكلب له.

ت- تجربة باروس إف سكينر ( صاحب نظرية الاشراط الاجرائي ) 

كما سبقت الاشارة أن أغلب تجارب رواد النظرية السلوكية كانت تقام على الحيوان والانسان ، لذلك نجد ان سكينر هو ايضا قام بتجربته على الحيوان وهذه المرة على حمامة ، حيث أخذ الحمامة ووضعها في قفص بدون مأكل، وبداخل القفص وضع زرين : واحد أحمر والاخر أخضر ، ولمّا تشعر الحمامة بالجوع تبدأ بالنقر على أي شيء تجده أمامها بحثا عن الطعام، وإذا نقرت بالصدفة على الزر الاحمر تفتح لها نافذه بها طعام ، أما إذا نقرت على الزر الاخضر لا تكافئ بأي شيء ، ومع تكرار هذه العملية تكون للحمامة وعي بأن الطعام يأتي عن طريق النقر على الزر الاحمر ، وهكذا بدأت الحمامة كلما أرادت الطعام تذهب مباشرة للنقر على الزر الاحمر.

ومن خلال هذه التجربة أكد لنا سكينر ان التعلم يأتي عن طريق التكرار و اركاب الاخطاء ، لان بدون تكرار لا يمكن استيعاب المعرفة المقدمة للمتعلم بطريقة لن تنسيه اياها ابدا.

ج- تجربة ثورندايك 

بنفس طريقة السلوكيين ، قام ثورندايك بأخذ قفص ووضع فيه قط وأغلق عليه ، وإن أراد ذاك القط الخروج من القفص يجب عليه أن يقوم بعملية معينة كجر الحبل أو الضغط على الزر ، وبالقرب من المكان الذي يمكن للقط الخروج من خلاله وضع ثورندايك بعضا من الطعام يمكن للقط رؤيته وشم رائحته ، وبعد العديد من المحاولات استطاع القط الخروج من القفص ، فبدأ ثورندايك بعدّ المدة الزمنية التي استغرقها القط للخروج من القفص ، فلاحظ ثورندايك أن كلما كرر القط الخروج من القفص فالمدة الزمنية تقل مع تكرار المحاولة،
وبذلك أكد ثورندايك بأن التعلم يأتي بعد المحاولة وكثرة التكرار .

علاقة السلوكيين الاوائل بالتعليم المبرمج 

ما نقصده بالسلوكيين الأوائل تحديدا: ثورندايك ، واطسون، سكينر.

أما التعليم المبرمج في مفهومه العام ، هو تقديم المعرفة للمتعلم وفق ما يتناسب مع حاجاته وقدراته ، بالاعتماد في ذلك على منهجية مقننة قد تستخدم فيها أدوات مطبوعة أو آلات تعليمية بسيطة أو أجهزة حاسوب وغيرها من وسائل التكنولوجيا الحديثة .

وفكرة التعليم المبرمج هي نفسها التي تبناها السلوكيين الأوائل عند قيامهم بتلك التجارب التي سبق ذكرها ، وذلك عند خروجهم عن النمط التقليدي في التعليم و عدم الاعتماد فقط على تلقين المعرفة بشكل مباشر وانما اعتمدوا على وسائل وتقنيات مساعدة تساعد المتعلم على استيعاب المعرفة بشكل أعمق ، لكن هذه الطريقة في التعليم هي أيضا لم تخلو من إيجابيات وسلبيات .

أ- ايجابيات التعلم المبرمج 

– يراعي الفروقات المعرفية والمهاراتية الموجودة بين التلاميذ ، لان من خلال التعلم المبرمج يمكن للمعلم مسايرة كل تلميذ على حدى وذلك حسب كل تلميذ وسرعة استيعابه للمعرفة المقدمة اليه.

– التعلم المبرمج يتوافق مع معظم نظريات وطرق التدريس المتعارف بها في مجال التربية والتعليم .

– يساعد المتعلم على ان يكون نشط ومرح باستمرار وهو يتلقى المعرفة.

– من خلال التعلم المبرمج يمكن للمعلم تخطي مشكلة الإكتظاظ الذي قد يعرفه الفصل الدراسي بسبب كثرة عدد التلاميذ.

– اهم ما يميز التعلم المبرمج هو انه غير مقيد بأي زمان أو مكان محدد ، وانما بالاعتماد على وسائل التواصل الحديثة يمكن للمتعلم تتبع حصصه الدراسية أينما وجد وفي اي وقت يريد.

– وكل ذلك يساعد المتعلم على التمدرس على قدر طاقته وقدراته العقلية والمهاراتية.

ب- سلبيات التعلم المبرمج 

– بسبب التعلم المبرمج قد يغيب التواصل والتفاعل بين المتعلمين وبعضهم البعض ، ويبقى التفاعل بين المتعلم الواحد ومعله فقط .

– انتاج برنامج تعليمي يحقق المردودية المرجوة يتطلب جهدا ووقتا كبيرين .

– التعلم المبرمج لا يدعم تدريس المهارات او التفكير الابتكاري ، لأنه يكتفي فقط بالاهتمام بطريقة غرس المعرفة وتجديرها في عقل المتعلم .

بعض المراجع العربية التي تحدثت عن النظرية السلوكية 

- ” كتاب  المدارس السلوكية وأثرها في تعديل سلوك الفرد ” لمؤلفه عبد الله بن أحمد آل علاف الغامدي.

- كتاب ” نظريات التعلم ” لمؤلفه دمصطفى ناصف ، الذي تحدث عن النظرية السلوكية بإسهام كبير ، وخص كل رائد من رواد النظرية السلوكية بفصل خاص به حتى يتوسع في الحديث عن أسس النظرية السلوكية بالتفصيل.

- كتاب ” التعلم نظريات وتطبيقات ” لمؤلفه د. أنور محمد الشرقاوي ، وخاصة في فصله الثاني الذي خصه الاستاذ الشرقاوي للحديث عن النظرية السلوكية بشكل تفصيلي.

- كتاب ” أساسيات الإرشاد النفسي والتربوي بين النظرية والتطبيق ” لمؤلفه عبد الله أبو زعيزع ، وتحديدا في الفصل الثالث من الكتاب المعنون بـ ” نظريات الإرشاد النفسي ” ، الذي فيه تطرق عبد الله أبو زعيزع لـ نظريات الإرشاد النفسي وعلاقتها بـ : النظرية السلوكية التقليدية – النظرية التحليلية – النظرية السلوكية المعرفية.

- كتاب ” تصنيف ونظرية للسلوك الاجتماعي : نحو إطار علمي لدراسة وتنمية الاجتماع الإنساني ” ، لمؤلفه محمد زياد حمدان ، الذي من خلاله حاول محمد زياد حمدان الربط بين اخر ما توصلت إليه النظرية السلوكية و طبيعة السلوك الاجتماعي.

- كتاب ” أساليب معاصرة في تدريس العلوم ” ، لمؤلفه سليم إبراهيم الخزرجي ، كتاب في غاية الاهمية وهو أيضا تطرق لـ النظرية السلوكية ، وخاصة عندما كان يتحدث عن الفرق بين نظريات التعلم ونظريات التدريس ، فأدرج النظرية السلوكية والنظرية البنائية ضمن نظريات التدريس ، وفي السياق نفسه تحدث سليم إبراهيم بإسهام عن مضمون النظرية السلوكية ، مع محاولة القيام بمقارنة ما بين النظرية السلوكية والنظرية البنائية .

إقرأ ايضا :
– دروس في البيداغوجيا