تعريف محمد بن جرير الطبري : نشأته - رحلاته - انجازاته

تعريف محمد بن جرير الطبري نشأته رحلاته انجازاته
تعريف محمد بن جرير الطبري نشأته رحلاته انجازاته 

محمد بن جرير الطبري هو علامة ومؤرخ مسلم، وُلد في عام 224هـ / 839م في مدينة تبرستان في إيران الحالية وتوفي في عام 310هـ /923م، ويُعتبر الطبري واحدًا من أعظم المؤرخين المسلمين، وله إسهامات هامة في مجال التاريخ والتفسير القرآني.

وفي هذا المقال سنقدم لكم تعريفا مفصلا للعلامة محمد بن جرير الطبري من خلال دراسة نشأته ورحلاته وشيوخه واحوال عصره، وسنختم المقال بدراسة كتابه "تاريخ الرّسل والملوك" من خلال تعريفه ودراسة منهجيته.

{getToc} $title={فهرس المقال}

تعريفه ونشأته

محمد بن جرير الطبري (224هـ - 310هـ /  839 - 923م) هو الإمام المجتهد أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري البغدادي، ولد سنة 224ه في مدينة أمل بطبرستان ، فنشأ في هذه المدينة، وحفظ القران وعمره سبع سنين، وأمّ بالناس في الصلاة وعمره ثمان سنين، وبدأ يكتب الحديث وعمره تسع سنين من مشايخ طبرستان، فحصّل بها مبادئ العلوم وأساسها. 

وألقابه كثيرة فهو: الإمام، المجتهد، المفسر، المحدث، الحافظ، الفقيه، المؤرخ، العلامة، اللغوي...

أثنى عليه العلماء كثيرا، فوصفه الخطيب البغدادي بقوله: "كان أحد أئمة العلماء يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، فكان حافظ لكتاب الله، بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها، صحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين، عارفا بأيام الناس وأخبارهم".

{inAds}

رحلاته ووفاته

لمّا أخذ الطبري العلم من شيوخ بلده قرّر الترحال في العالم الإسلامي لملاقاة شيوخ وعلماء الإسلام وعمره أنداك 16 سنة.

وكانت وجهته الأولى هي بلاد الرّي، ومنها إلى بغداد بالعراق ليلتقي بالإمام أحمد بن حنبل، ولكنه قبل وصوله إليها بقليل بلغه نبأ وفاته، إلا أن ذلك لم يوقف عزمه في الترحال، فلقي بقية حفّاظ العلماء في بغداد والبصرة والكوفة والشام.

ثم توجه إلى مصر في سنة 253هـ ودخل الفسطاط، ثم رجع إلى الشام مرة أخرى وعاد إلى مصر بعدها سنة 256هـ.

ثم رجع بعدها إلى بغداد، ثم بلده طبرستان، ليعود بعد زيارته الأولى لبلاده إلى بغداد مرة أخرى، ثم رجع إلى بلده للمرة الثانية.

حتى عاد إلى بغداد فاستقر بها من سنة 290هـ وعمره ست وستون سنة إلى أن توفي بها سنة 310هـ.

{inAds}

شيوخه 

وأثناء رحلاته تلك أخذ العلم عن مشايخ وعلماء كثر يصعب حصرهم، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر :

- محمد بن حميد الرازي التميمي، وهو أول شيوخه في بلاد الرّي، أخذ عنه الحديث والتفسير.

- عمران بن موسى الليثي البصري، لقيه لمّا دخل العراق.

- أبو همام الوليد بن شجاع السكوني، لقيه في الكوفة.

- أحمد بن منيع البغوي البغدادي، الذي لقيه في بغداد.

- محمد بن العلاء الهمداني أبو كريب الكوفي، لقيه في الكوفة.

- هناد بن السري التميمي، لقيه بالكوفة.

- محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب البصري الأموي، وهو من رجال الإمام مسلم وبعض أهل السنن.

- محمد بن بشار العبدي البصري المعروف ببندار، لقيه بالبصرة.

- الإمام الحافظ يعقوب بن إبراهيم الدورقي، صاحب المسند.

- بشر بن معاذ العقدي البصري الضرير، لقيه بالبصرة.

- محمد بن عبد الأعلى الصنعاني البصري، لقيه بالبصرة.

- الربيع بن سليمان الأزدي، لقيه في دخوله مصر للمرة الثانية، وأخذ عنه فقه الإمام الشافعي.

- الحسن بن محمد الزعفراني البغدادي الشافعي.

- اسماعيل بن يحيى المزيني، صاحب الشافعي، لقيه بالقاهرة.

- محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المالكي المؤرخ، أخذ عنه فقه مالك والتاريخ.

- يونس بن عبد الأعلى الصدفي، لقيه بمصر.

- سليمان بن عبد الرحمان بن خلاد الطلحي.

- علي بن سراج المصري أبو الحسن، لقيه بمصر فأخذ عنه علوم اللغة والآداب.

- أحمد بن يحيى ثعلب الكوفي، وهو إمام الكوفيين في عصره، أخذ عنه علم النحو واللغة العربية وآدابها.

- الشيخ العباس بن الوليد البيروتي، لقيه في بيروت في بلاد الشام لمّا رحل إليها من العراق.

{inAds}

أحوال عصره من الناحية السياسية 

عاش أبو جعفر بن جرير الطبري ما بين سنة 224-310هـ، وهو العصر العباسي الثاني (247- 656هـ) الذي تميز ببداية دبّ الضعف في الدولة العباسية وجورها وتسلّط أصحاب السلطة فيها. حيث عاصر سبع خلفاء من بني العباس وهم: المنتصر - المستعين - المعتز - المهتدي - المعتمد - المعتضد - المكتفي.

وتميزت هذه الفترة بـ : 

- سيطرة الأتراك العسكريين (ما بين 247- 334هـ) على الخلفاء العباسيين الضعفاء، فهم الذين كانوا يختارون الخليفة ويخلعونه ويقتلونه كما يشاؤون.

- ثورة الزنج (ما بين 255- 270هـ)، حيث أثار الزنج - وهم طائفة من عبيد إفريقية - الخوف والرعب في حاضرة الدولة العباسية أكثر من 14 عاما، وكان يقودهم رجل فارسي يدعى علي بن محمد من أهالي الطالقان حيث ادعى أنه من ولد علي زين العابدين بن الحسين كما ادعى الغيب والنبوة وجهر بعقائد الخوارج ودعى إلى تحرير العبيد فانضم إليه الكثيرون وقويت شوكته، وكان قد بنى له مدينة في العراق وسماها "المختارة" فانتشرت جيوشه في العراق وخوزستان والبحرين، التي انتصرت على الجيش العباسي في الكثير من المواقع، ولم تخمد هذه الثورة إلى في عهد الخليفة العباسي المعتمد سنة 270هـ.   

- حركة القرامطة (ما بين 287 - 470هـ): وهم فرقة ضالة ومنحرفة، ادعوا التشيع، وينتسبون إلى مؤسس دولتهم حمدان بن الأشعث الملقب بـ"قرمط"، الذي تزعم الحركة في الكوفة سنة 287هـ، وامتد نشاطهم إلى الشام والخليج العربي ثم اليمن والحجاز، إلى أن استطاع الخليفة العباسي المعتضد أن يقضي عليهم بعد حروب طاحنة وأخرجهم من سوريا والعراق وبقيت أكبر قوة لهم في البحرين والأحساء، وفي عام 317هـ دخل قائدهم (سليمان بن حسين الجنابي) إلى مكة والمدينة أيام الحج وارتكب مذبحة عظيمة فقتل الحجاج ورمى بجثثهم في بئر زمزم، ثم اقتلع الحجر الأسود وجرد الكعبة من كسوتها، ولم ينتهي وجود القرامطة إلا في سنة 470هـ بعد حرب عبد الله العيوني لهم بمساعدة العباسيين والسلاجقة، وحلت محلّها الدولة العيونية.

{inAds}

- ظهور العديد من الإمارات والدويلات المستقلة عن السلطة المركزية في بغداد، نتيجة الضعف الذي عاشته الخلافة في العصر العباسي الثاني، ومن تلك الدولات نذكر: الدولة الطاهرية بخراسان (205-259هـ) - الدولة اليعفرية بصنعاء اليمن (225-393هـ) - الدولة الزيادية في مدينة زبيد باليمن (203-412هـ) - الدولة الزيدية بطبرستان (250-312هـ) - الدولة الطولونية بمصر والشام (254-292هـ) - الدولة الصفارية بإيران وهرات وما وراء النهر (254-298ه) - الدولة السامانية ببلاد ما وراء النهر وغيرها (261-390هـ) - الدولة العبيدية (الفاطمية) بمصر (297-567هـ).

حول كتابه "تاريخ الرّسل والملوك" (نموذجا) 

أما بخصوص مؤلفاته فهي عديدة منها: "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" و "تهذيب الآثار" و"اختلاف الفقهاء"، لكن ما يهمنا من مؤلفاته هو التفصيل في الحديث عن كتابه "تاريخ الرّسل والملوك" من خلال التعريف به ومحاولة الاطلاع على منهجه في صياغة سرد الأحداث التاريخية، وعليه كان تقسيمنا لهذه الفقرة على النحو التالي:  

التعريف بالكتاب 

يصنف كتاب "تاريخ الرّسل والملوك" أو "تاريخ الأمم والملوك" كما هو معلوم ضمن حقل التاريخ العام، حيث بدأ فيه الطبري رحمه الله تعالى بالحديث عن أول الزمان وبدإ الخليقة، والأخبار التي سبقت خلق الإنسان الأول أدم عليه السلام، وما رافق قصته من أحداث ووقائع، مستندا في ذلك على مصادر الشريعة الإسلامية التي وضّحت الكيفية التي بدأ بها الخلق بنصوصها الواضحة والصحيحة.

ثم انتقل ليفصل في أخبار الرسل - عليهم السلام - المرسلين من الله عزّ وجلّ، والأحداث التي مرّوا بها والتي رواها القرآن الكريم وبينتها سنة أخر المرسلين محمد عليه أفضل الصلوات والتسليم، بالإضافات إلى بعض الأخبار الأخرى التي جاء ذكرها في الإسرائيليات.

وواصل الحديث عن تاريخ البشرية ولم يتوقف إلى أن بلغ اللحظة التي ألّف فيها كتابه، وذلك بتسلسل كرونولوجي دقيق جمع فيه أخبار كل الأمم التي مرت على وجه البسيطة قبل عصره المعاش مع ذكر الأحداث التاريخية التي عاصرها ولامس وقائعها.

إقرا أيضا: دراسة في الكتابة التاريخية العربية قبل الإسلام

منهجيته في سرد الأحداث التاريخية

 تاريخ الطبري (تاريخ الرسل والملوك) يمثّل بحق قمة التأليف التاريخي عند المسلمين في القرون الثلاثة الأولى من حيث الشمول الزماني والمكاني وإطالة النفس في بسط الأحداث ومحاولة الإحاطة بكافة جوانبها، وأيضا من حيث المنهجية العلمية المعتمدة وذلك من خلال نسبته الأقوال إلى أصحابها مع إستقامة النظرة التاريخية وإعطاء صورة متكاملة عن حياة الأمة بدقة وأمانة، بعيدا عن النظرات الضيقة والأهواء الحزبية ، كل هذه الخصائص أدت إلى احتلاله مكانة مرموقة دائمة في الأوساط الفكرية السنية في الإسلام، ومن الطبيعي كذلك أن يكون لكتابه أثر هائل على المؤرخين التاليين الذين إعتبروه مثالا يحتذى به في الشكل الذي ينبغي أن يكتب فيه التاريخ.

{inAds}

كان بحثه عمّا قبل الإسلام مقصورا على ابراز مجموعة من المعلومات عن الإسرائيليات وتاريخ العرب وتاريخ الفرس، ولم يحاول الإلتفات إلى الأفق التاريخي والثقافي المتوسع الذي كان سائدا في عصره. 

وأرّخ لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم بالطريقة التي ألّف بها كتّاب السير، متأثرا في ذلك بدراسته وثقافته كمحدث وكفقيه.  

أما أحداث كل سنة فقد ذكرها بطريقة الإخباريين والنقلة بالإسناد، وقد أقرّ الطبري نفسه بذلك في مقدمته بقوله: "فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم انه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا "، وهو من حيث العموم حاول ضبط النصوص التي يرويها دون تبديل، إلى درجة أنه كثيرا ما أبقى على الكلمات والنصوص الأعجمية والأشعار الفارسية.

أما تنظيمه فقد اتبع فيه الترتيب الكرونولوجي وصار على نظام الحوليات، حسب توالي الحكام وفترات حكمهم، فخص لكل خليفة ترجمة طويلة من ولادته وفترة حكمه إلى ووفاته. 

على العموم فغايته من هذا التأليف هو تدوين التاريخ لإبراز سنن الرسل والملوك الذين كانت بأيديهم مهمة التوجيه والتنفيذ، من أجل أن يساعد ذلك على توضيح العبرة للمعتبرين وفهم قضايا الحاضر عن طريق استقراء الماضي، ومعرفة الأسس الصحيحة التي قامت عليها الأمة والتي بها تستقيم أحوالها، وخاصة أن عصر الطبري تميز بالعديد من الإضطرابات التي كانت تحيل إلى قرب زوال الدولة العباسية من على وجه الخريطة، مما جعل الطبري من خلال كتابه السالف الذكر تقديم النصح والعبرة للأمة التي بدأ الجور والظلم والفساد ينخر بنياتها الداخلية.