تعريف المسعودي : نشأته - رحلاته - انجازاته

تعريف المسعودي  نشأته - رحلاته - انجازاته
تعريف المسعودي  نشأته - رحلاته - انجازاته 

يعتبر المؤرخ المسعودي من المؤلفين ذوي الثقافة الموسوعية، حيث لم يهتم بالتاريخ والجغرافيا فحسب بل اهتم كذلك بعلم الكلام والأخلاق والسياسة وعلم اللغة، والذي يهمنا هنا هو اهتمامه بالتاريخ الذي سلك فيه منهجا تاريخيا جديدا في تدوين حوادثه، وخاصة أن المسعودي كان جغرافيا ومؤرخا ورحالا في الآن ذاته الأمر الذي انعكس كذلك على منهجه المتبع في التأليف التاريخي.

{getToc} $title={فهرس المقال}

ولدراسة هذه الشخصية البارزة والرّائدة في التأليف التاريخي العربي الإسلام، قسمنا محاطات الدراسة إلى ما يلي: التعريف بالمسعودي ونشأته - رحلاته - أحوال عصره - دراسة في كتابه الشهير "مروج الذهب ومعادن الجوهر".

{inAds}

تعريفه ونشأته 

ولد المسعودي في بغداد بالعراق سنة 283ه/896م، وهو علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن مسعود، ولذلك قيل له المسعودي، ويكنى بأبي الحسن.

كان عبد الله بن مسعود، الجد الأكبر للمسعودي، صحابي جليل وذو مكانة في قلوب أهالي بلاد العراق، فقد خرج ابن مسعود إلى هذه البلاد من الحجاز في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وإلتف حوله الأهالي ليحدثهم عن رسول الله صلى الله علي وسلم، وينقل إليهم سنته الشريفة، وبذلك استقرت أسرة ابن مسعود ببلاد العراق وانصرفت إلى ميادين العلم والآدب، ولم تشترك في الصّراع السياسي الذي شهدته بلاد العراق طوال العصرين الاموي والعباسي.

 وكان المسعودي قد عاصر العديد من المؤرخين والجغرافيين العرب البارزين، كأمثال: ابن جرير الطبري - ابو بكر بن يحيى الصولي - أبو القاسم أحمد بن حوقل البغدادي - ابو اسحاق الأصطخري.

وغير هؤلاء العلماء الذين أثنى على بعضهم وانتقد البعض الأخر.

إضافة إلى ذلك أراد المسعودي أن ينمي ثقافته ومعلوماته، بعد أن أخذ العلوم من منابعها في بغداد قرّر الترحال في بقاع العالم المختلفة ليستمد المعلومات من مشاهدته ويلتقي بالثقافات المختلفة وليلمس بنفسه طبيعة حياة الشعوب وحضاراتهم المتعددة. 

{inAds}

رحلاته ووفاته 

نشأ في بغداد وجاء مصر، ورحل في طلب العلم إلى أقصى البلاد، فطاف فارس وكرمان سنة 309ه حتى استقر في اصطخر، وفي السنة التالية قصد الهند إلى ملتان والمنصورة، ثم عطف إلى كنباية فصيمور فسرنديب "سيلان"، ومن هناك ركب البحر إلى بلاد الصين، وطاف البحر الهندي إلى مداغسكر وعاد إلى عمان، ورحل رحلة أخرى سنة 314ه إلى ما وراء أذربيجان وجرجان ثم إلى الشام وفلسطين، وفي سنة 332ه جاء أنطاكية والثغور الشامية إلى دمشق واستقر أخيرا بمصر، ونزل الفسطاط سنة 345ه، وتوفي في السنة التالية .  

أحوال عصره من الناحية السياسية

 عاش المسعودي - كقرينه الطبري - في العصر العباسي الثاني، الذي سبق أن أشرنا إليه على أنه عصر تقهقر الدولة العباسية وتراجع قوتها وسلطتها وبداية دبّ الضعف في هياكلها الداخلية، الأمر الذي أدى إلى بداية تفكك الدولة الإسلامية إلى إمارات ودويلات مستقلة عن السلطة المركزية في بغداد كما سلف الذكر. 

{inAds}

حول كتابه "مروج الذهب ومعادن الجوهر"

 ألّف المسعودي الكثير من المؤلفات في مجالات عدة، لكن ما يهمنا منها هو الحديث عن كتابه "مروج الذهب ومعادن الجوهر" الذي ألفه في حقل التاريخ العام، من خلال التعريف به ومحاولة ابراز منهجه في السرد التاريخي، وعليه جاءت هذه الدراسة على النحو التالي:

التعريف بالكتاب 

يعتبر كتاب "مروج الذهب ومعادن الجوهر" من مؤلفات المسعودي الهامة والكبيرة، وعليه قامت شهرته كمؤرخ.

حدثنا المسعودي في مقدمة مؤلفه (التي سماها بـ"الباب الأول") عن الأسباب التي دعته إلى تسمية كتابه بهذا الإسم فقال: "وقد وسمت كتابي هذا بكتاب «مروج الذهب، ومعادن الجوهر»، لنفاسة ما حَوَاه، وعظم خطر ما استولى عليه من طوالع بوارع ما تضمنته كتبنا السالفة في معناه، وغُرَر مؤلفاتنا في مغزاه، وجعلته تحفة للأشراف من الملوك وأهل الدرايات، لما قد ضمنته من جمل ما تدعو الحاجة اليه، وتنازع النفوس إلى علمه من دراية ما سلف وغبَر في الزمان، وجعلته مُنَبِّها على أغراض ما سلف من كتبنا، ومشتملًا على جوامِعَ يحسن بالأديب العاقل معرفتها، ولا يُعذر في التغافل عنها، ولم نترك نوعا من العلوم، ولا فناً من الأخبار، ولا طريقة من الآثار، إلا أوردناه في هذا الكتاب مفصلًا..." . 

{inAds}

أما السبب الذي دعاه لتأليف هذا الكتاب، يحدثنا المسعودي نفسه عن ذلك بقوله: " وكان ما دعاني إلى تأليف كتابي هذا في التاريخ، وأخبار العالم، وما مضى في أكناف الزمان من أخبار الأنبياء والملوك وسيرها والأمم ومساكنها محَبَّةَ احتذاء الشاكلة التي قصَدَها العلماء، وقَفَاها الحكماء، وأن يبقى للعالم ذكراً محموداً، وعلماً منظوماً عتيداً، فإنّا وجدنا مُصَنِّفي الكتب في ذلك مُجيداً ومُقَصِّراً، ومسهِباً ومختصراً، ووجدنا الأخبار زائدة مع زيادة الأيام، حادثةً مع حدوث الأزمان، وربما غاب البارع منها على الفَطِن الذكي، ولكل واحد قِسطٌ يخصه بمقدار عنايته، ولكل إقليم عجائب يقتصر على علمها أهله، وليس من لزمَ جهة وطنه وقنع بما نُمي اليه من الأخبار عن إقليمه كمن قسَّمَ عمره على قَطع الأقطار، ووَزَّع أيامه بين تقَاذُف الأسفار، واستخراج كل دقيق من مَعْدنه، وإثارة كل نفيس من مكمَنه  ".

 وفي الباب الثاني من مؤلفه الذي سماه " ذكر ما اشتمل عليه هذا الكتاب من الأبواب" ذكر لنا المسعودي ما اشتمل عليه هذا الكتاب من الابواب، حيث قال: "وعدد ما اشتمل هذا الكتاب من الأبواب مائة واثنان وثلاثون بابا، أولها ذكر جميع أغراض هذا الكتاب، والثاني ذكر ما اشتمل عليه هذا الكتاب من الأبواب، وآخرها ذكر من حج بالناس من أول الإسلام إلى سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة  "، وكان قد فصّل بذكر عنوان كل باب على حدى.   

{inAds}

تحدث المسعودي في تاريخيه - كعادة أًصحاب المنهج العمودي في التأريخ التاريخي - منذ بدإ الخليقة، من خلال تتبع قصص الأنبياء والرسل من أدم عليه السلام إلى أخر المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام، مع تفصيل دقيق لكّل مجريات الأحداث التاريخية التي رافقت قصصهم.

كما خصّ المسعودي في كتابه وصفا دقيقا للبقاع والأراضي كلّما تحدث عن أمة من الأمم ومواقع استيطانها وطبيعة الجغرافيا التي تحيطها وتأثيرها في طبائعها، وذلك بحنكة الجغرافي المتمكن من وظيفته، ولم يهمل في الآن ذاته دراسة عادات وتقاليد كل أمة على حدى (كالهند والصين والفرس..) والتفصيل في نسبها وأصولها.  

إقرا أيضا: تعريف محمد بن جرير الطبري : نشأته - رحلاته - انجازاته

منهجيته في سرد الأحداث التاريخية

 في الواقع يعتبر المسعودي من المؤرخين والجغرافيين العرب الأوائل الذين اتبعوا منهجية علمية دقيقة في التعاطي مع القضايا التاريخية بطريقة شبيهة بالمناهج الحديثة، وذلك عندما خصص توطئة حدثنا من خلالها عن أسباب وأهمية اختيار موضوع الدّراسة، وبعدها انتقل لدراسة بيبليوغرافية عرّفنا من خلال عن المصادر والمؤلفات التي اعتمد عليها في استنطاق أحداث التاريخ ووقائعه مع الثّناء على بعض أصحاب تلك المصادر ونقد البعض الأخر، ثم بعدها عرض فهرست الكتاب واهمّ المحطات التي سيمرّ منها واحدة تلو الأخرى، وهي منهجية علمية جديدة على عصره، مما جعل ابن خلدون فيما بعد يثني على منهج المسعودي ويقتدي به ويسير على منواله.    

{inAds}

وأرّخ فيه لتاريخ البشرية على طريقة التأريخ العمودي من بدإ الخليقة إلى عصره المعاش، مستندا فيه دراسة تاريخية جغرافية ربط فيها المسعودي بين الزمان والمكان، معتمدا على منهج تاريخيا جديدا في تدوين حوادثه وخاصة أن المسعودي كان جغرافي ومؤرخ ورحّال، الأمر الذي انعكس كذلك على منهجه المتبع في التأليف التاريخي.